الاثنين، 30 نوفمبر 2015

لكِ يا هيباتيا .... نهاية البداية .. الجزء الثالث والأخير .



لكِ يا هيباتيا :


                            نهاية البداية ... الجزء الثالث والأخير .

ولأنني رأيتُ أن الحُبَ الأفلاطوني الخجولَ الذي أحياه ... الحبَ العذري الذي أعيشُ في بحرِه وأخوضُ غِمارِه .... لا يصحُ له أن يُعرضَ علي العامةِ والدهماء.
فالكلمات مُشتقة من هيباتيا ولهيباتيا وعنها وحدها دون غيرها...
ولقد تماهي إلي أذني وأنا تحت وطأة النُعاس في الحلمِ أنها قد ضاقَتُ ذرعًا بالإفصاح، وأن الكتمانُ هي ما كانت تُنشده وتأمله وتطلبه وتستحثه.

واستجابة لندائها في الغطيطِ ...
ها أنا ذا أعرض عليكم الجزء الثالث والأخير من هذه الرسائل التي كتبتها علي
" الفيسبوك" لحين إكمالها بعد مراجعتها وأخذ النفس بالشدة في المراجعة .. حتي يحين الوقت لتري النور .. ويُلف الظلام الحالك في عباءته النورانية الفضفاضة ..
وبإنتهاء هذه التدوينة والأخيرة في لكِ يا هيبتاتيا سأنقطع عن الكتابةِ لها علي أي شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي إلي أن تُغير رأيها في الحلم، عند النُعاسِ ..

و لأدرأ الوقوع في الزلل وتوهم المصانعة .. فلقد أطلقت علي الرسائل المجموعة اسم
 " نهاية البداية" ... لأنها كذلك حقًا .. فالمقصود بالنهاية أي نهاية الكتابة لها علي مواقع التواصل الاجتماعي لا أمر آخر .. وأما البداية فهو منوطة بأنّ هذه الرسائل سيكون ملاذها مكان آخر غير الفضاء ... إلي الأوراق والخط بالقلمِ ... حتي يحينَ الميعادُ ... فيخرجُ المكبوت .. وينجلي المستور ..

وها هو الجزء الثالث والأخير من الرسائل بين أيديكم الحين ....




الرسالة السابعة :

يا قمر يكاد سنا برقه يُخلب الأبصار .. ويُذهب العقول ..
يا زهرة الفل التي تطير بألباب العارفين لمذاق العشق والغرام ..
يا من عقلها اللؤلؤ ... القريحة هي المرجان .. البسمة بحر خضم لا نهاية له .. الضحكة هي الدنيا ..
يا من ستكون الأخلاق عندها التاج المُتوجه فوق رأسها ..
يا من ستكون الجنة تسعي بين يديها .. والخير مشمول بها .. والرحمة مكفولة عندها .. ومنها منبع الرأفة والمودة والاحسان ..

أظنكِ ستظنين أن الحب  أو دعيني أقول الجنون وهو أعلي درجات ومراتب الحب كما قال العرب الأوائل وعرفوه بأنه :
هو استلاب الحب لعقل المُحب .

موقوف عن فاخم العبارة .. وآيات الغرام مكفولة فقط من خلال هذه الأقوال .. وأن هذا هو الحب أو التعريف له ..
فلا وأيم الله .. فلو كان هكذا لكُنت أجوف النفس .. خاويها علي عُروشها .. لكانت ذاتي تافه ..
الحب قوة .
العشق إرادة تُصد بها الشرور ويُستعان بها علي الخِير .
الغرام طموح نحو الأفضل، وسعي نحو المأمول.
الحب طاعة .
التتيم هو كتف الحبيب في كتف صاحبته يتزاحمان نحو الأفضل من القول والفعل وحسن الخُلق وتهذيب النفس والخروج من القاع الخرب العطن المليء بشرائر الأعمال .
الحب لُحمة للروح .

والشاعر يقول :
إن نفسًا لم يُشرق الحُب فيها ***** لا نفس لا تدري ما معناها .
أنا بالحبِ قد عرفت نفسي **** وبالحب قد عرفت الله .


مُفاد الأمر .. أن الحب ليس بأقوال فقط .. ولو كان هذا لكان مُفتقد لكل معاني الحيوية والحُرية والحياة .. وإنما هو أفعال تؤكد بقول ..

ولقد قال الشاعر قديمًا :
أفعال كُل إمرئ تنبأ بعنصره **** والعين تُغنيك عن الأثر .





الرسالة الثامنة :

عرفت اليوم أن :



الدنيا قصيرة .. الدنيا الدانية بما فيها من أتراح وأفراح .. حياة وانقباض للأرواح .. فرح لملاقاة الاحبة وحزن لفراق الغاليين علينا في الحياة .. سعادة عند الوصول للمبتغي وتحسر عند الفشل ... فالدنيا قصيرة جدًا فحتي أن قِصرها كان مذ اليوم الأول الذي نزل فيه آدم النبي من الجنةِ الوارفة بعد أن عصي ربه وأقترب من الشجرة المُحرمة .. فالرب أنزل آدم إلي الأرض ... أنزله لعمارة الكون ووضع البصمة .. والخالق العظيم خلقه ليكون خليفته .. ومعني الخليفة لرب الأكوان والأفلاك عظمية ومرعبة .. أي أن الانسان علي الأرض إله عليه أن يجعل الخير سائدًا ويدرأ الشر .. ثم ماذا ؟! نهاية حتمية .. انقباض للروح .. وإما نعيم مقيم أو _ والعياذ بالله من هذا _ جحيم مستعر ..

لذا فالخالق لم يخلقنا لنعيث في الأرض فقط من أجل إملاء البطون طعامًا وشُربًا، فالنمو، فالدراسة، فالزواج، فإنجاب الأولاد، فتأخذنا روتينة الحياة ونمطيتها في عباءتها .. فسُكني الأمتار الصغيرة في جوف الأرض وحدنا حيث ظلام دامس ولا يرافقنا من الخارج سوي البلل وانهمار الأدمع ..
هل هذه هي الحياة التي من أجلها أوجدنا الخالق ؟!
هل  هذه هي الغاية العظمي التي من شانها أصبحنا آلهة علي الأرض؟
                        مستحيل .......... !!!




وساجلني أحدهم عن هذه المعاني فقلت :

_ والحياة ؟
*
فسيلة في جوف الأرض .. سنا ضوء .. بصيص من نورِ .

_والدُنيا ؟
*
خروج من قاع مزدحم عطن، لزرع الفسيلة .

_والموت؟
*
وردة يانعة .. شمس ساطعة .. قمر مُنير . جنة ورافة
 .

_ والحب؟
*
زهرة الدنيا . بدونه تُصبح الحياة كالموت والموت كالحياة .

_وهيباتيا ؟
*
حُبي العُذري .. العشق الأفلاطوني الخجول.. الغرام الأوحد ..التتيم الأحد.

_ الجمال؟
*
بالحِس يُدرك .. وبالمشاعر يفيض .. وبالقلب يُتكلم عنه وله .

_والنفاق؟
*
أصل الحياة بين البشرِ، فمن منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر.

_ السذاجة؟
*
مُتعة الحياة .. وفِطرتها .. ونقاءها وسجيتها .. والحلو كُله .

_ والعزلة؟
*
واجبة دائمًا .

_والأدب؟
أكسير الموت ثم الحياة.






الرسالة التاسعة :

" ستدعيني أصف لكِ حوارًا مُتخيلا مع صديقي القلم "

- إذن يا صاحبي فلتُحدثني عنها ؟
*يا صديقي كأن أسبابها ستكون موصولة بأسبابي مذ عهد غابر وزمن بائد .. جاء الزمن .. باعد الأسفار ..

تنهد القلم وترجرج في يدي وهو يقول في مكر :
- إذا فلترسمها لي .. بالحبر الأزرق المُتقطر مني ؟

وآآه ..! لقد تذكرت قول قيس بن الملوح حين قال :
بيضاء خالصة البياض كأنها ****** قمرُ توسَّط جُنح ليلٍ مُبردِ
موسومة بالحسنِ ذات حواسدٍ **** إنّ الجمالَ مَظمة للحُسد .

فالوجه مثل بياض ثمرة جوز الهند التي ثقلت في مكانها علي الفرع .. ولم تعد مُرتاحة البال .. قريرة النفس .. فسقطت علي الأرض الأم لترتع في بحبوبة .. فكُسِرت وخرج من بين أظفارها اللون الأبيض الشهي وهو بياض وجهك .
الوجه لو تأملته وأمعنت فيه النظر أيمّا إمعان .. ودققت أيّ دقة .. لنُقلت من الكوكب الأرضي إلي ملكوت آخر في فلكِ من الأفلاك البعيدة للعاشقين .. والمعشوقين ..هي صانعته ومن ستُرشدك إليه .
الوجه كإناء اللبن في جنة الفردوس وارفة الظل .. غير مُتخيلة النعيم المقيم.. اللبن الذي لم يتغير طعمه ولن يتبدل مهما حدث وعصف به فهو سماوي ليس بأرضي ...

فأما عن العينين .. فحدث ولا حرج عليك .. فهما مثل أديم السماء وهي في حالة صفو تام .. خالية الشوائب تُكدر هنائها وتُعكر مزاجها .. والشوائب ها هنا هم الغيوم والأخريات من الفتيات ..
رأيت فيهما لمعة ظاهرة واضحة كلمعة قطرات الندي وهي مُتدحرجة في البكور علي أوراق الفل الذي يضوع المكان بما يزكي الأنف.. وذاك وقت بزوع الشمس وخروجها من المحضن الساكنة إليه يوميًا ..

ويا صديقي القلم مهما فعلت وبذلت من استطعه وما لم أستطعه من جَهد ولأي وأسرفت من احبار لا حد لها علي قراطيس لا حصر لها .. وتصببت عرقًا .. ورزحت الهالات السوداء أسفل عيني من طول السُهاد .. وكلت اليدين من أثر التعب .. فلن أستطيع ان أصور لك كما وصلت إليّ وعاونك خيالك العظيم في ذلك .. ففي النهاية سأعود القهقري .. مُنهزمًا شر هزيمة .. ظافرًا بشئ واحد فقط هو أنني وضعتك علي بداية الطريق للخيال ذاك ..





الرسالة العاشرة والأخيرة
:

أتعلمين ؟
إنني فرح للغاية .
لأنني أكتب لكِ أنتِ يا هيباتيا دون غيرك .

فرح لأنني دومًا سأشعر بطاقتك الايجابية من حولي تدفعني للأمام .

مبتهج لأنني كلما مشيت في الطرقات .. صادفت تلك .. ووقفت أمام هذه .. أتخيلكِ أنتِ مكانهن .. أتخيلك في كُل من أري في الطرقات . .. حتي الجماد أصبح هو الآخر هيباتيا .. وهذا شئ لمفرح ستعلمينه وسيكون عظيمًا .

وعلي الرغم من أن هذه هي الرسالة الأخيرة التي سأتركتها علي فضاء التواصل الاجتماعي ولكنني فرح كذلك ..لأن المناجاة التي سأبثها لليل والنجوم تتفجر في السماء .. والطير يصدح في الأجواء .. ستصل إليكِ .. إنها نفس المُحب حينما يمتزج الكون كله معه .. ويتداخل فيه ..

ويا جمال قول قيس بن ذريح :

إذا عِبتها شبهتها البدر طالعًا ***** وحسبُك من عيبِ لها شبه البدر
لقد فُضلت هيباتيا علي الناس مثلما ****** علي ألف شهر فضلت ليلة القدر.


لذا يا هيباتيا ... سأهواكِ عُذريًا .. أبدًا ما حييت .. فأنت الأمل المنشود .. وكُل الأماني العِراض المرسومة .. أنتِ حُبي الأفلاطوني الخجول الأول والأخير ..
أنتِ التي قُلت فيها :
والروح إذا عشقت ... والنفس إذا هامت ... والعقل إذا أتفق ..... مع القلب في الولع ... فما تُهت عنكِ وما نأيت ... لقد رأيت من آيات الغرام الكُبري ما رأيت ..

وأختتم بقولين أحدهما للدكتور طه حسين قاله في  زوجته وهو من فُضلي الأقاويل لديّ :

"" ابقي ... لا تذهبي ...  سواء خرجت أو لم أخرج ... أحملكِ فيّ ... أُحبك .. ابقي .. ابقي .. أحبك .. لن أقول لكِ وداعًا .. فأنا أملكك .. وسأملكك دومًا .. ابقي يا حُبي ""  



والآخر لأبي العلاء المعري حين قال :
يا مَحَلَّي عليكِ مِنَّي سلامُ ***** سوفَ أمضي ويُنجز الموعودُ

الجمعة، 20 نوفمبر 2015

لكِ يا هيباتيا ... نهاية البداية .. الجزء الثاني ..




لكِ يا هيباتيا :

                                       نهاية البداية .. الجزء الثاني .


ولكوني رأيتُ أن الحُبَ الأفلاطوني الخجولَ الذي أحياه ... الحبَ العذري الذي أعيشُ في بحرِه وأخوضُ غِمارِه .... لا يصحُ له أن يُعرضَ علي العامةِ والدهماء. فالكلمات من هيباتيا ولهيباتيا وعنها وحدها دون غيرها...وتماهي إلي أذني وأنا تحت وطأة النُعاس في الحلمِ أنها قد ضاقَتُ ذرعًا بالإفحاص، فالكتمانُ هي ما كانت تُنشده وتأمله وتطلبه وتستحثه.
واستجابة لندائها في الغطيطِ ... سأجعل فقط الثلاث تدوينات موقوفِين لها .. وفيهم سأجمع ما كتبته لها وعنها علي شبكة "الفيسبوك" ومن ثمّ بعدها سأنقطع عن الكتابةِ لها علي أي شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي إلي أن تستجيب أو تستحث ذلك.

و لأدرأ الوقوع في الزلل وتوهم المصانعة .. فلقد أطلقت علي الرسائل المجموعة اسم
 " نهاية البداية" ... لأنها كذلك حقًا .. فالمقصود بالنهاية أي نهاية الكتابة لها علي مواقع التواصل الاجتماعي لا أمر آخر .. وأما البداية فهو منوطة بأنّ هذه الرسائل سيكون ملاذها مكان آخر غير الفضاء ... إلي الأوراق والخط بالقلمِ ... حتي يحينَ الميعادُ ... فيخرجُ المكبوت .. وينجلي المستور ..

وها هو الجزء الثاني من الرسائل بين أيديكم الحين ....


وهذا هو الجزء الأول :
http://ramaatan.blogspot.com.eg/2015/11/blog-post_89.html



الرسالة الرابعة :


يا من ستكونُ تفاحةَ الولعِ ... من سأكون كلِفًا بها وهي مُغرم بها حد الجنون وهذا جائز في عُرف العُشاق والمعشوقين ... شذا الوجدان ... من ستكون أملُ الدُنيا الدانية ما حييت علي وجه البسيطة .


اليوم تعلمت مبدأ وفكرت في آخر .. وكليهما استغرقا كُل الوقت مني .. ولم أرتح وأظن إلي الآن ..

علمتُ وأسعي حثيثًا في هذا أن إنسانيتنا  وحضارتنا التي ننتمي إليها لابد من التصدق عنها وتنميتها من العطب المُلاصق لها مذ فترة سحيقة بعيدة .
والانسانية هي كيان الفرد كاملاً من شوشة رأسه إلي أخمص قدمه ... هي ما تميزه عمن سواه من مخلوقات أوجدها الباري رأيناها رأي العين المجردة وتسعي وئيدًا فيم بيننا .. وأُخر تُري مجهريًا
.
والصدقة والتصدق علي الانسانية الشمولية، الشاملة يكون بالتفكيرِ.
وأظن ظنًا يقتربُ من اليقينِ أن التفكير هذا لابد من أن يبدأ من النفس التي ترتع في بحبوحة بين حنايا الضلوع، ومن ثم حينما ستكون شغوفة بمعرفة الآخرين .
لأن من عرف نفسه جيدًا_ وذاك عسير لو تعلمين عظيم_فقد عرف غيره
..

وأعملت جُزئيات التفكير في كيفية اللقاء بيننا ؟
في ماهيته؟
التطوق النفسي لمكانه؟
هل سيكون مثلاً علي حافة النيل الرقراق المُنساب مياهه في خفوت وأناة ؟
هل سيكون في مكانِ لا يعرفه غيرنا تكتنفه الأشجار الباسقة .. وتُحوطه الأزهار اليانعة .. والشمس المُصفرة مُنحدرة إلي محضنها بعيدًا في الأفق ... والعصافير تُزقزق زقزقة العودة ممتلئة البكن، تُسبح الخالق علي ما حصلت عليه اليوم ؟

ما هو شكلي ونظراتي عندما أقف أمامك كالمبتهل_ قديمًا_ أمام صنمه وأحكي لكِ عما في الصدر و العُذري الخجول المكبوت في طيات القلبِ؟
ماذا سيكون ردة فعلك؟
هل الاعراض والترفع؟
هل التواجب الخفي المشروط؟
هل الازورار .؟
هل .. ؟ هل ... ؟

وبرغم التأويل السيئ الذي حط علي عقلي .. وبالرغم من الافتراضات التي تسعي في غير ما تهوي النفس .
فروح العاشق المُغرم تُخبرني دومًا في أثناء نُعاسي أن الأمرَ سيكون كما أهوي وأشتهي .. فمن أعتمد علي الباري فهو الظافر .. ومن أتخذ المنفذ السليم فهو المُظفر .




الرسالة الخامسة :

 يا من ستكونين الدُنيا التي سأرتكن إليها وقت الضيق ... من سأخذ بيدها من القاع المُزدحم فأزُج بها ناحية طموحتها وأحلامها .... بنفس القدرة والقوة التي ستنتشليني بها ... رُمانة تلافيف عقلي ... تفاحة رُدهات قلبي ..

يا من ربما الآن تكونين نائمة .

أو مُتستيقظة تتنقلين داخل المملكةِ الزرقاء التي أخرجها لنا " مارك زوكربيرج" إلي النورِ وهو قابع علي حاسوبه في غرفته .

أو تتحدثين إلي صديقة لكِ هي بالأحري أُُختك التي ولدتها بطن غير أمكِ.

أو مُنكبة علي جُزء مستعصي من الدراسةِ تحاولين سبر أغواره.

أو مُنكفئة علي رواية تقرأينها ولمّا لاحظتِ النزعة الرومانسية داخلها فاضت عينيك بالأدمع .

أو ربما جالسة علي كُرسي من الخشب المتين في الشُرفة، مُمددة القدمين أمامك، وقدح الشاي تتراقص أدخنه وتُداعب أرنبة أنفك التي أظن أنها ستكون دقيقة كمنحوتات " مايكل أنجلو " فتنظرين إلي الظلام الدامس الذي حلّ بالأرجاء ... تعملين تلافيف العقلِ ... وتتأملين في الفراغ والسديم الأسود .

أو ربما تضعين سماعات الأذن .. زهقت روحك وضاقت نفسك من الأغاني التي تصدح في السياراتِ ووسائل النقل العامة.. فبحثتِ عن أشعار جاهلية، فكان أمامك شعر قيس بن الملوح حين قال لحبيبته ليلي :
اللهُ يعلمُ أن النفسَ هالكةُ ............. باليأسِ منكِ ولكني أٌعزَّيها
مُنَّيتُكِ النفسَ حتي قد أضر بها.......... واستيقَنت خُلُفًا مما أمنيها
وساعة منكِ ألهوها وإن قَصرت ............. أشهي إليّ من الدُنيا وما فيها

أتعلمين عندما تكونين بين يدي ساُحبكِ بعدد الكواكب السيارة .. وعدد النجوم التي ترتع في بحبوحة في أديمِ السماء الصافية ليلاً .. بعدد الجبال والطير التي تُسبح بحمده .. بعدد الحصي والرملِ .. بعدد الأزهار المُتفتحة في الربيعِ ..





الرسالة السادسة :

ولقد كتبت هذه الرسالة في الذكري السنوية لوفاة الأديبة الآنسة " مي زيادة"..


يا من ستصل أسبابي بأسبابها يومًا ما وأوصالي بأوصالها ...

يا من سأنُشد فيها وفي حضرتها قول قيس بن الملوح حين قال :
وساعةُ منكِ ألهوها وإن قَصُرَتْ ....... أشهَي إلي من الدنيا وما فيها
أتعلمين أن اليوم هي ذكري رحيل الأديبة الشهيرة " مي زيادة "؟ .
الأديبة التي فجعت الكثير من الأُدباء والكُتاب وسطرت لها في بدايات القرن العشرين أزكي وأعف وأجمل قصة حب عُذري حدثت في ذلك الوقت .

فالرافعي بقامته حاول الاتصال بها، واتصل وأبدع لنا في المكتبة العربية الكثير من المكتوب في فلسفة الحُب والجمال والعشق والغرام .. ولكن  العشق لم يكُ مُتبادلاً بعض الشئ وكان مُصابًا بالفتور . مُفتقد للحرارةِ .

العقاد بسطوة لغته حاول وكرر المحاولات ولكنه فشل في مسعاه في نهاية المطافِ.

الدكتور طه حسين ..أليف روحي .. حاول هو الآخر بعد أن أُفتِن بصوتها حينما حضر صالونها الأدبي الذي كان ينعقد كل يوم ثلاثاء .

وكان هُنالك أيضًا أستاذ الفلسفة والأجيال أحمد لطفي السيد .. والأستاذ سلامة موسي .. وغيرهم مما ضن التاريخ بذكر أسمائهم .

وفي النهاية صدت هؤلاء كلهم لأجله .. لأجل الذي لم تُشاهده ولا يومِ في حياتها .. لأجل الذي يفصل بينه وبينها الملايين من رذاذ مياه المحيطات .. لأجل الذي دارت فيم بينهما رسائل ملوء بعبارات حب عنيفة .. قوية .. جارفة .. إنه الكبير ومُرهف الحس .. أحد شُعراء المهجر .. الأديب جبران خليل جبران .

أتعلمين أنه بعد وفاته .. مادت الأرض من تحت قدميها .. ودخلت في نوبة نفسية عظيمة  .. وكانت هي السبب الرئيسي في وفاتها وانتقال الروح إلي الملكوت الرباني .

فأسالك ... ؟
هل ستتركين المجال لنا لنخطط لذكرانا في دفتر المغرمين .. المُحبيبن ؟
هل سنكون ضمن المدرج أسمائهم في صف العاشقين .. المولعين ؟
هل سنجعل التاريخ رُغمًا عن أنفه الغليظة أن يُدون أسماءنا وألقالبنا  وأحاديثنا وحوراتنا الجمة؟
أظن إنكِ أنتِ عندما تأتين وستأخذين بيدي وتدفعينني تجاه هذا دفعًا حثيثًا .. وئيدًا ..