الاثنين، 28 ديسمبر 2015

في أحضان الكُتب المُلتهبة كانت لنا أيام


قبل أن ينصرم العام .. وتنفك أوصاله أقول :




ودُرت العُقبي لأتخبط في افتتاحِ لمنمنمِ الكلامِ الذي أردت إذاعته .. واستهلال الأمر قبل أنّ أنشر الكُتب التي قرأتها في هذا العام _ 2015 م _ الذي يجرُ أذيالَه، ويرفلُ في أسماله البالية  .. فلن أجدْ ولم أعثرْ أفضل من أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال :

تجدُ الكُتبَ عَلي النَّقد، كما **** تجد الإخوان، صِدقًا وكِذابًا .
فَـتَـخيرها كَمـا تختــاره *** وادخر في الصحب والكُتب اللبابا .
صَالِحُ الإخوانِ يَبْغيكَ التُّقَي *** ورشيد الكُتبِ يَبغيك الصَّوابا  .


ولم أجد أيضًا أفضل من إهداء أستاذي ومُلهمي الكريم العزيز بلال فضل في مستهل كتابه " في أحضان الكتب " حينما قال :
إلي أحب بقاع الدُنيا إليّ
إلي تحويشة عمري وبهجة زماني.
وشريكة صباحاتي وونيسة لياليّ ورفيقة ضهرياتي.
إلي مغنِيتي عن سؤال اللئيم وصُحبة الأنذال .
.. إلي مكتبتي
أمد الله عمري في أحضانك
.

وبعد .
فأنني سأترك فقط الانطباع الشخصي عمّا قرأته من كتبِ .. لعل أحد يستفيدُ منه بأيّة وسيلة كانت .

بعدما فندتُ الكتب ورأيت ما قرأت .. رأيت أنّ هُنالك كُتاب يتكرر أسماءهم بشكل كبير علي مدار السنة في أشهر مُختلفة وربما مُتعاقبة .. وهما الأستاذ يوسف السباعي والدكتور المُلهم طه حسين .. ولم أجد سببًا لذلك إلا لأنهما من أوائل من قرأت لهما .. فأول رواية بدأتها وأكملتها حتي الرمق الأخير كانت " رد قلبي " .. وبالطبع كان قبلها " الأيام " المعوجة التي درسناها في الثانوية العامة .. وأقول معوجة لأنها ناقصة ..
فلقد قرأتها بعد ذلك كاملة .. وعرفت لم كتبها .. وأُزِيل ومُحيِ السخط الذي كُنت أصبه عليها فيم مضي .
وأعلم أنّ هذا الأمر ربما يكون خطأ بعض الشئ أو كُله .. ووجب تعديله .

ثانِ المُلاحظات .. هو تقريبًا شبه انعدام للأدب الأعجمي علي كُل ألوانه .. وهذا أمر قد نُبهت إليه مذ فترة طويلة .. ولا يزال صديقي ورفيق دربي يُلح عليّ في ذلك .. في الاتجاه وتقليب اليد في الأدب العالمي علي أنواعه .. وهذا أمر سأنتبه له في العام القادمِ ..

ثالث مُلاحظة .. علي الرغم من أنّ الكُتب تربو علي المائة وعشرة .. وأنك لا شك فغرت فاهك .. أو إنّ أحد المُخضرمين في القراءة ستقول هذا ضرب من العبث .. مائة فقط .. ولكن هذا أمر شائن من ناحيتي وأقول لك السبب :
ربما يكون مُتابعتي للكثير مما يقرءون هو السبب في هذا السعار في محاولة النهم والاستزادة في القراءة .. بالطبع الكُل لديه الحلم في قراءة كُل ما يمكن قراءته قبل أن يفلت قطار العمر .. وبالطبع أنني أريد أن أنجز علي الأقل الكتب التي تعج في مكتبي والتي شارفت علي الستمائة .
 ولكن هذا ليس علي حساب المُتعة العقلية التي هي أساس القراءة .. ليس علي حساب معرفة أحوال العباد وتقصي أحوال العباد .. ليس علي حساب الفهم السليم لكُل كلمة في الرواية .
ليس علي حساب الكتابة التي أرتضيتها خليلة ونبذت من أجلها كُل الملذات وحتي الدراسة التي أنغمس فيها .. مزجوج داخلها ! .
ليس علي حساب أمور أخري كثيرة في الحياة .. فأعترف أنني كُنت _ إمعه في القراءة _ يفعل فعل القراءة لمجرد الفعل لا التدبر والتروي .

رابع ملاحظة .. التاريخ مهمش بشكل كبير جدًا .. وأيضًا الفلسفة وإنّ كانت تُكتسب من الروايات وأبطالها .. والاسلاميات بشكل عام .


 ومن أمتع ما قرأت في هذا العام .. هو كتاب :
شخصيات حية من الأغاني للدكتور محمد المنسي قنديل .. وتستطيع أن تراجع رأيي ها هُنا :
https://www.goodreads.com/review/show/1388591525

وجاء قبل كتاب الشخصيات .. المُجلد الملحمي الذي جعلني فرح طول وقت قراءته التي قربت من شهر وهو " في صالون العقاد كانت لنا أيام " للأستاذ  أنيس منصور  .. الذي لو تحدثت عنه سأحتاج أكثر من السبعمائة ورقة التي كانت يتألف منها .

من أفاضل الروايات التي قرأتها كانت :
روايتة " منافي الرب " والتي معها لمست الأستاذ العزيز أشرف الخمايسي .. وفلسفته في الموت .. وحجيزي المُضحك المُبكي .. والوعرة وأهلها .. _ من يوم ما أنجزت الراوية لم أكتب الرأي عنها .. لأنني أخاف عندما أكتبه أنساها وتسلو عني _

وأيضًا رواية " ليالي ألف ليلة " لشيخ الكُتاب .. وصاحب نوبل الكبير .. نجيب محفوظ والرأي هُنا :
https://www.goodreads.com/review/show/1391747018?book_show_action=false
ومن أفضل المجموعات القصصية التي ملأت بها صدري وعقلي .. المجموعة القصصية " أول عباس " للمهندس  / أحمد القرملاوي وهذا رأيي فيها :
https://www.goodreads.com/review/show/1218945447?book_show_action=false
والمجموعة القصصية " ما قبل وفاة الملك " للدكتور محمد نجيب عبد الله
وهذا هو الرأي :
https://www.goodreads.com/review/show/1374291500?book_show_action=false

وكُلاً منهما أستاذين .. وأحسبني صديقهما ..

ولو أُسهب لي الحديث فسيطول ويطول ..
فهذه هي المُلاحظات .. وذلك بعض الرأي الذي أحسبني لم أوفيه كُله .. فإنّ كان هذا فذاك نفيصة من لدني .. ومن وسوسة الشيطان داخلي أحشائي ..


وها هي قائمة الكُتب :

1- أولاد الحور _ غادة العبسي .
2- الصور _ محمد السباعي .
3- علي جناح الهوي _ ظبية خميس _ مجلة دبي الثقافية .
4- زغازيغ _ أحمد خالد توفيق .
5- خلف النهاية بقليل _ وحيد الطويلة
6- التفكير فريضة إسلامية _ عباس محمود العقاد
7- أدب الحياة _ توفيق الحكيم .
8- أولاد حارتنا _ نجيب محفوظ
9- البنت اللي مليانة ديفوهات _ ريهام سعيد .
10- مرآة فريدة _ رهام راضي .

11- ما وراء النهر _ د/ طه حسين .
12- نقطة النور _ بهاء طاهر .
13- نيويورك 80 _ يوسف إدريس .
14- صحبة العشاق.. رواد الكلمة والنغم _ خيري شلبي .
15- عم تبحث في مراكش _ محمود الريماوي _ مجلة دبي الثقافية.
16- مبكي العشاق_ في موكب الهوي " كتابين " _ يوسف السباعي .
17- أول عباس _ أحمد القرملاوي .
18- تيستروجين _ شريف عبد الهادي .
19- ساق البامبو _ سعود السنعوسي .
20- أغنيات _ الشيخ زغرب " كتابين في كتاب " _ يوسف السباعي .

21- نلعب أفلام _ هدي حسين .
22- حلم آخر الليل _ محمد عبد الحليم عبد الله .
23- صوت باريس _ د/ طه حسين  .
24- زمن الضباع _ أشرف العشماوي .
25- اعترافات عُشاق _ مصطفي محمود .
26- أهواك _ أشرف الخمايسي .
27 – جوع _ كنوت هامسون .
28- طه حسين كما يعرفه كُتاب عصره .
29- أصوات الرواية مُترجم ل_ لطيفة الدليمي _ مجلة دبي الثقافية .
30- قصص منوعة _ محمد السباعي .

31- هنا القاهرة _ إبراهيم عبد المجيد .
32- في الوظيفة _ عبد الحميد جوده السحار .
33- أحاديث المازني _ إبراهيم عبد القادر المازني .
34- تاريخ الفنون وأشهر الصور _ سلامة موسي _ مجلة الدوحة .
35- هؤلاء يعترفون _ زينب عفيفي .
36- إني راحلة _ للمرة الثانية _ يوسف السباعي .
37- حل وترحال _ يوسف زيدان .
38- الماضي لا يعود _ محمد عبد الحليم عبد الله .
39- منامات عم أحمد السمّاك _ خيري شلبي .
40- جبرتي الستينات _ يوسف إدريس .

41- الحرافيش _ نجيب محفوظ .
42- كانت لك _ حلا المطري .
43- طه حسين وقضايا العصر _ محمد فتحي فرج .
44- ليلة الزفاف _ توفيق الحكيم .
45 – مذكراتي في سجن النساء _ نوال السعداوي .
46 – طقوس حُرية وجحيم _ حياه الرايس
47- تويا _ أشرف العشماوي .
48- شخصيات حية من الأغاني _ محمد المنسي قنديل .
49- منافي الرب _ أشرف الخمايسي .
50- شريعة القرآن من دلائل إعجازه _ الشيخ محمد أبو زهرة _ مجلة الأزهر .

51- هموم ثقافية _ يحيي حقي .
52- مع العميد في ذكراه _ محمد الدسوقي .
53- رحلة الحكاية وحكاية الرحلة _ نور الدين القيلاني _ مجلة الثقافة العربية.
54- الاسلام عقيدة وشريعة _ د/محمد شلتوت _ مجلة الأزهر
55- فجر القصة المصرية " للمرة الثانية " _ يحيي حقي .
56- أوتار الماء _ محمد المخزنجي .
57- نقد وإصلاح _ د/ طه حسين .
58- العادلون _ ألبير كامي .
59- إلا قليلاً _ أنيس منصور .
60- زوجة أحمد _ إحسان عبد القدوس .

61- أطياف _ يوسف السباعي .
62- ليال ودموع _ يوسف السباعي .
63- جوع _ محمد البساطي .
64- الفرار في عام 1934،قصص صينية، تأليف سوتونغ، ترجمة يارا المصري_ مجلة دبي الثقافية .
65- حياة الرافعي _ محمد سعيد العريان .
66- دافنشي _ فرويد _ ترجمة الحسين خضيري .
67- لعبة النهاية، الأيام السعيدة _ صامويل بيكيت .
68- ما قبل وفاة الملك _ محمد نجيب عبد الله .
69- الله والانسان _ مصطفي محمود .
70- حين تقطعت الأوصال _ امبارو دابيلا _ ترجمة محمد إبراهيم مبروك .

71- كائن لا تحتمل خفته _ ميلان كونديرا .
72- رسائل إلي العائلة _ أنطون تشيكوف _ ترجمة ياسر شعبان_مجلة الدوحة.
73- صاحبة الجلالة في الزنزانة _ مصطفي أمين .
74- السيمفونية البيضاء، أدريانا ليسبوا _ ترجمة محمد عثمان خليفة .
75- مُدن الملح ، التيه ، عبد الرحمن مُنيف .
76- ليالي ألف ليلة ، نجيب محفوظ .
77 – حب ، غادة السمان .
78- ظلال مُضيئة ، محمود تيمور .
79- قيام وانهيار آل مُستجاب ، محمد مُستجاب
80 – إنه الانسان ، خالد محمد خالد .

81- هذه النفوس .. هذه الحياة _ يوسف السباعي .
82- الجزء الأول من النظرات _ مصطفي لطفي المنفلوطي .
83- ترنمية سلام _ أحمد عبد المجيد .
84 – العطر _ باتريك زوسكند .
85- من حديث الشعر والنثر _ د/ طه حسين .
86- مملكة الفراشة _ واسيني الأعرج .
87- الألة المادية علي وجود الله _ الشيخ الشعراوي _ مجلة الأزهر .
88- الكونج _ حمّور زيادة .
89- الحب العذري عند العرب _ شوقي ضيف .
90- عصر العلم _ د/أحمد زويل .

91- دويتو _ هشام الخشن، رشا سمير .

92- الحياة في مكان آخر _ ميلان كونديرا .
93- أرني الله _ توفيق الحكيم .
94- كتاب الأقوال _ آباي_ ترجمة عبد السلام الغرياني_مجلة الدوحة.
95- آيس كريم بالكراميل _ إيمان ماضي .
96- عشرة أدباء يتحدثون _ فؤاد دوارة .
97- في صالون العقاد كانت لنا أيام _ أنيس منصور .
98- شيكاجو _ د/ علاء الأسواني .
99- ميراث الدم _ رانيا حجاج .
100- غامض مثل الحياة وواضح كالموت_ حسن إبراهيم الحسن_ مجلة دبي الثقافية.

101- افتح قلبك _ عبد الوهاب مطاوع .
102- في الأدب الجاهلي _ د/ طه حسين .
103- عبد العزيز البشري _ جمال الدين الرمادي .
104 – مسرحية مأساة طيبة او الشقيقان العدوان _ جان راسين .
105 – أثر النبي _ عمر طاهر .
106- قصص من الكتب المُقدسة _ عبد الحميد جوده السحار .
107 _ تحت راية القرآن _ مصطفي صادق الرافعي .



الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

عنها - الجزء الثاني - .



وحتي لا أُتهم .. وحتي لا يُطلق ما يُطلق .. فهذا ليس بمقالةِ أو شبه مقالة .. وإنما هي إرهاصاتُ حول اللغةِ .. وخواطرُ قد تأخرت في الخروجِ عنّها .. قد أردت إذاعتها بمُناسبة اليوم العالمي للغة العربية والذي كان في يومِ الثامن عشر من ديسمبر المُنصرم . فلأتركك مع المادة ..

اللغةُ نهرُ، عذبُ ماؤه، صافيةُ صفحة الماء، كلما عببتُ منها طلبتَ المزيدَ، كلما نهلتَ رجوت الكثيرَ، فهي لا تمل من إلقاء في الجوفِ ما يُلقي، طالما القريحةُ عاملةِ، والنفس مُقبلة، والروح مُتشوقة، مُتطلعة إلي العلا علي سُلمِ اللغةِ العربيةِ التي لا تُضاهيها أية لغة أخري علي وجه البسيطة .

اللغة بحر واسع، لا تستطيعُ أن تعرفَ له نهايةَ، يمتدُ في الأفقِ حتي تري أن السماء قد ألتحمت بعبابِ البحرِ التحام الجزء بُكليته .. وقطع المُزن المُتفرقة في الأديمِ الصافي كأنها حلوي تطفو علي الأمواج المُتلاطمة، المُتلاحمة في شبه مُعركة،عظيمة، جلية .

اللغة مثل غادة هيفاء مياسة العود، حوراء الوجه، مُتوردة الخد، مُتحفزة العين، مُتوقدتها، مُنسابة الشعر الناعم، وجمالها دائم من عندِ المولي عز وجل. فالهِرم لن يُدركها أبدًا ما حييت وبقت علي وجه الأرض تنعمُ بالحياة في اختلاج الألسن أو في كتابه الكريم المحفوظ .

اللغة هي أم رءوم تخاف علي أولادها  حتي الصِغار المُشاكسين منهم.. فلتنظر مثلا إلي الابن المُسمي " باللهجة العامية " الذي سبب لها مشاكل أيّ مشاكل، وأقام صراعات جمّة ضد أمه المُتغذي من باطنها الممتلئ .
فانظر إلي الجاحظ في القرن الثالث الهجري يقول :
أنّه لا ضرر من استعمال العامية إذا احتيج إليها، ولكن بشرط ألا تكتب دائمًا ومباشرة بالعامية .

أو فلتنظر إلي الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي، ومجدد الفكر فإمامه .. يقولُ علي اللغة العامية التي جرت علي أقلام بعض الكُتاب والأدباء أيامه !!
 فيقول :
" .. إنها اللغة العامية، التي تستغرق القصة كُلها عند بعضهم وتستغرق أحاديث الأشخاص عند بعضهم الآخر، ولم تصل اللغة العامية إلي أن تكون لغة أدبية وما أراها تبلغ ذلك آخر الدهر " .

علي الرغم من أنّ اللغة قد استوعبت العامية أو العامية أرادت أن ترفل في نعيم فصيح اللغة وتترك الضنك وتقبل علي الرخاء .

ونحن في لهجتنا اليومية نتحدث بالفصحي وأركنها المُتشعبة فمثلاً إذا رأيت أحدهم وهو يعدو من مكان لآخر فأنت تقول عليه باللهجة العامية :
" الواد بيجري زي الصاروخ " أو
شاهدت قوة وبأس أحدهم فتقول :
 " الواد ده أسد "
أتعلم أن الجملتين هاتين يتبعان الدرس الأول الذي أخذته منذ عهد سحيق مضي في البلاغة، وهما مُكتملتيّ الأركان والنواحي .
 فالجملة الأولي هو تشبيه مُفصل حيث أنه شبه الفتي الذي يعدو بالصاروخ المُنفلت من جاذبية الأرض في سرعة رهيبة وذكر أداة التشبية هُنا " زي" .. والجملة الثانية هو تشبيه الفتي في شجاعته وقوته وشكيمته بالأسد القسورة الذي لا يهاب أحد فهو ملك الغابة.
وقسّ علي هذا في حديثنا اليوميّ .. وفي كُل مناحي حياتنا في استيعاب فصيح اللغة .. عامية اللهجة .. وأن الفرع دائمًا يحن إلي أصله.

ودعني أخذك من يدك لأدلل لك علي جمال اللغة، ورونقها أيمّا رونق، وبهاءها أيّ بهاء ؛ وأن مصدرها فياض، ومَعِينها جواد، فمثلاً :
الصديق له معانِ عِدة أخري في اللغة العربية ولقد جمعت لك اليوم نُتف منه .. فبخلاف لفظة الصديق .. عِندك :
- الصاحب وتعريفه : مُرافق أو مالك الشئ أو القائم علي الشئ ، ويُطلق علي من أعتنق مذهبًا أو رأيًا فيقال : أصحاب الشافعي .
- النَّدُّ : المِثْلُ والنظير
- الخليل : الصديق الخالص .
-  الرفيق : المرافق أو الصاحب أو المواطن في المجتمع الشيوعي.
- الصَّنوُ : النظير والمثيل، فيقال هو صنو أخيه، وهما صِنوان.
فحتي أن الصاحب الجالس قديمًا إلي صاحبه في الشراب كانت له لفظة خاصة به وهو : نديم  .
فالمعني واحد تقريبًا لكل هذه الألفاظ ... ولكن لتعدد الأسماء جمال .. تجعلك _ أو تجعلني فلا أعلم موقع الأمر علي نفسك حقًا _ أشعر وكأنني كالطفل الصغير الذي يذوق وسيتذوق حلاوة الاستكشاف ويعرف أنّ للفضول فرح وسعادة.

وللأسف موجات التغريب أخذت تلاحقنا في وطننا العربي في شتي مناحي الحياة .. تارة تسمعه عند هذا الذي بدلاً من أن يقول لأقرانه بعد الانصراف من جلستهم " سلام " فيقول "
Pease  " .. أهذا نوع من التمدين ومواكبة الغرب والسير علي نهجه .. أم هو نوع من حماقة النفس ورعونتها ؟
وأقول أنني لا أنكر علي أي أحد أن يتعلم أيّة لغة أعجمية .. فلو أتيح لي الأمر سأفعل لأنني أريد أن أنهل من المعارفِ عندهم .. وأعرف كيف يفكرون وأستطيع أن أدرس تاريخ آدابهم .. فأدبهم وهكذا .. ولأدلل لك علي أنّ تعلم لغة الغير أمر مُستحث .. النبي العدنان هادي الأمة .. أرسل زيد بن ثابت ليتعلم لغة اليهود .. فتعلمها وحذقها في ثمانية عشرة يومًا فقط .

و موجة أخري من الموجات  تراها مكتوبة أمام عينك في هذا الداء الجديد الذي يتداعي علينا كما تتداعي الأكلة علي قصعتها، فتلاحظه مراراً وتُشاهده تكرارًا علي مواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة في أمر يسمي " فرانكو آراب " .. البلوي التي ألقت في جوف البعض .. والمصيبة التي لها خواطر جسيمة علينا لن يُستبان آثارها في الوقت الحاضر .
" فرانكو" هذا الداء الذي أخذ يستشري في جسد الأمة حتي أصابها بالخمول والضعف .. أمسك بالتلابيب .. يضيق الخِناق .

ولكن اللغة جسور، شجاعة، حافظة، محفوظة، هي الركن للهوية العربية، أساس للحِفاظ علي القومية .. فكيف نتخل عن أصلنا .. أو قل عن مجدنا، أو إنّ شئت قلت عن تاريخنا .. فعلي سبيل المثال لا الحصر :
رسائل ابن حيان في الكيمياء التي عرفتها أوربا في نصوصها العربية وفي ترجمات لاتينية وألمانية ثم تُرجمت للانجليزية بواسطة راسل في طبعة لندن عام 1928 م .
أو كتاب الجبر والمقابلة الذي ألفه الخوارزمي ونقله جيرار الكريموني للاتينية في القرن السادس الميلادي .
أو كتاب الأدوية البسيطة للأندلسي ابن الوافد
وغيرهم " وتستطيع ان تقرأ عن المزيد ان أردت الاطلاع في كتاب لغتنا والحياة للدكتورة عائشة عبد الرحمن في الصفحات التالية 132 ، 133 ، 134 _ طبعة دار المعارف .

وتأمل معي المشهد، وأنك قد أصبحت فيلسوف عظيم الشان، أو عالم فذ تقف علي منصبة نوبل أو طبيب تشرأب الأعناق حولك أو صرتِ رائدة في التنوير وإزالة غشاء الظلمة عن العقولِ  أو كاتبة جليّة الأثر يلتف حولها المُريدين وتمت الاستضافة في لقاء يشهده الملايين حول العالم ، وأنت تتحدث باللغة العربية سواء أكانت الفصحى أو الغريمة اللهجة العامية . المهم أنك تتحدث بلسان عربي مُبين، تتحدث بهويتك، تتحدث بالبيئة التي نشات فيها، تتحدث بالوطن وللوطن، عندما تتأمل ويمتلأ الأمر داخلك حدثني وقعه علي نفسك ؟

والحديث عن اللغة لن ولم يمل منه .. ولكن حتي لا أطيل فأصير لا يُطاق فأتم القول اليوم بأبيات لشاعر النيل الكبير حافظ إبراهيم حينما قال :

وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً**** وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ

فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ
**** وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ

أنا البحر في أحشائه الدُر كامن *** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟

                                                                                           تمت
                                                                                  الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 م
                                                                                      المكتب
 

الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

عنْها [ الجزء الأول ]

مقال يرتدي سروال :

                                   عنْها [ الجزء الأول ].


وآه منها. وآه مما فُعِلَ بي . وما جَرتُه علي الأوصالِ فجعلَتها مُنفكة .الفرائص أصبحت مُبعثرةَ. هدت الأركانَ، زلزلت الكيانَ، جمحت بالخيالِ في فضاءات لم يبلتيها من ذي قبلِ .عقدَت العقدَ لكي لا أري دونها، وكُلما وقفت بحِذائها وجدتُها مُتزينة، في أثوابِ باهرةِ، مُبهجةِ؛ كأنّها الوروردُ حين تصحو من سُباتها في الربيع . فالضياء لم أجدْ له نظيرَ،ولن أعثرَ عن غيره بديل، فهو نوع من العسرِ أو إن شئت قُلت ضرب من الاستحالةِ .

تنهيدة...

والاعتقاد الجازم أنّ أول ما سعي وئيدًا - كخُطوات النمل النشط في جمعه لمؤنة قارس الشتاء - إلي تلافيفِ عقلك حين قرأت العنوانَ، ونظرت داخل أحشاءه، وأمعنت النظر في زُخرف القول عند مُستهلِ المقالةِ، لهو أمر واحد هو أنني سأسهب في الحديث عن الحبِ وفضائله علي الفتي وروحه، ومناقبه علي نفس الفتاة ورهافة حِسها، وذاك نبع من الفضول المُتجلي في لمعان عينيك المُتحفزتين المبهورتين، أو ربما سأسرف في الحديثِ عن الجمالِ .
 بل ربما يكونُ الشكُ قد ألقى بك في غياهبِ الظنِ إلقاء، وزعمَت بأنني سألق علي المسامع وأطرب العين بالحديثِ عن الحبيبةِ التي أهواها عُذريًا، ومُيتم بها بغرامِ أفلاطونيّ خجول؛ هذه التي استوطنت جوانح القلب، فطارَ لها اللبُ، ورقصت لها وترقصُ الروح لمجردِ الرؤية في الخيالِ أو المُشاهدةِ في الواقعِ الملموسِ؛ هيباتيا بالطبع .

وإنْ أردت تحدثت. فذاك الكلام سيطربك وستنالني بالغمزِ واللمزِ ما شئت ووسع إناء الفكاهةِ والتندر داخلك، ولكن لأترك هذا في موضعِ غير الذي نحن بإزائه.
فالمقام اليوم عن حبيبة روحية، شعورية، أحببتها حُبًا جارفًا بعد أن كُنت من أشد الكارهين لها، كأنّ المثل الشعبي الدارج:
ما محبة إلا بعد عداوة، ساطعُ، طافي علي سطح بحيرة الفكر لديّ . فالمُقت الشديد الآثم صار غرامًا عرمرمًا، ولم يحدث هذا إلا بالتوغلِ داخل الأحضان وسبر الأغوار .

- كفي ...

سمعتها بصوتك الذي أحسست فيه شئ من الضيق والضجر مع لمحة حانية من الرقة ترفقًا بي وهكذا ظننت -.
و سأستجيب سريعًا لطلبك وأخرج من الظنِ التكلفَ وتوهم المُصانعة؛ فالحبيبة هي اللغة العربية، الخلابة، الفاتنة، الجذابة، المعشوقة، اللغة التي شأنها عظيم ومكانتها جلية وسأُبين ذلك .
اللغة التي قال شاعر النيل، حافظ إبراهيم، علي لسانها - وللحسرة الكُل يتندر بالبيتِ رغم كونه عال القدر والشأن - :
أنا البحرُ في أحشاءه الدُر كامن ****** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي ؟

اللغة التي كانت عميد الأدب العربي، د/ طه حسين، في ماضي الأيام يطل بصوت عذب كشدو الكروان في الراديو عبر الأثير ويقولُ :
لُغتنا العربية يُسر لا عسر
والمعلم وقائد الفكر صادق كُل الصدق .

مذ عهد غابر وزمن بائد كُنت من أشد النافرين من اللغة العربية وآدابها، حانق علي طرقِ التدريس المُصابة بالعقمِ وبسبب ذاك أُصيبت اللغة بهذا الداء العفن، فضنّت علي أن تُخرج من نوابغ الفِكر، بل وصار الاقتراب منها أمر عسر كُل العسر .

واللغة هي لساننا، فروعها مُتشعبة لا حصرلها؛ من بلاغةِ واستحسان للفظة، أو السجع والجناس الذي تحسبه أنه قرع طبول في معركة حامية الوطيس، أو أبيات الحماسة المؤججة للمكنون والمُحركة للمكتوم . أو أخبار السلف، ومعرفة الأمزجة التي كانوا عليها، والعلم الذي أُهْتُدوا إليه بل وأُخِذ عنّا حتي جابَ البلاد البلقعا .
 ولكن كُل هذا وأكثر منه لم يُوضح لنا وقت أنّ كُنا طلاب، فالأمر أختُزِل في لفظة واحدة، والحق كُل الحق أن اللفظة لم تتوقف عند العربية وحدها بل تعدت كُل العلوم، وهو الحفظ الأجوف الأصم الممتزج بنا إمتزاج الزبد بماء البحر .

والحفظ هذا لن يخرج جيل يُفكر، أو حتي مُدرك لأمر التخلف والتأخير الذي نعيش فيه وفداحته، فعلو شأن الوطن ورفعته تبدأ بالتعليم الذي هو أصل الأصول، وجذر الجدوز، وما دام الجذر عفن  لا ثابت في جوف الأرض، فحتمًا لن يستطيع أن يُنبت لنا من الثمار اليانعة، وحتي إن أثمر وأينع، فستكون ثِمار مُشوهة عطنة، روتينة كأنها الماكينة .. اللهم إن سبق السيف العذل وأستطاع البعض - وأعرفهم- أن يفلت من براثن ثور التعليم المُتخلف .

ما هذا العبث ؟
ما هذا الضلال الذي أمضي في رحابه وئيدًا ؟
فالحديث عن اللغة المعشوقة التي شهرت لها القلم من مغمده البلاستيكي للذود عنها، ناصرًا لها، مُتحيذًا إليها، لم آت للحديث عن اللهو والمجون في التعليم من أصله لفرعه بل من فرعه لأصله .. بل أصبح من العسير التحقيق كأنّه يُطبق قول أبو العلاء المعري حين قال :
وإذا كان غني زيد يكون لفقرِ عمرو .

وللحق والحقيقة إنّ اللغة في حد ذاتها تأني في الاحتياج إلي أي أحد مهما عظم شأنه وعلي قدره في الدافع عنها وإنصافها وتدعيم صفها، فهي مصونة، أليس الملك القدوس يقول في ذِكره الحكيم :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون "
والذكر هو القرآن الكريم بما أشتمل عليه من آيات عطره، وقصص نضرة. والقرآن نُزِلَ وكُتب وسُمِع ونُطق بلغة أهل الجزيرة العربية ونجد وقتها وكانت لٌغة قريش ، وعلي إثر هذا فاللغة مُصانة ومحفوظة من الله نفسه جل في عُلاه .

ولو اتبعت نفس المنطق . لوجدت أن القرآن هو معجزة الله الباقية في الأرض إلي اليوم الذي تذهل فيه كُل مُرضعة عمّا أرضعت ..وكُل من حملت حملاً تنوء به قد وضعته . لذا فالقرآن من الأصل باق إلي يوم الواقعة، إذا فالنتيجة النهائية والحتمية أن اللغة العربية هي الأخري باقية، لذا فلا يوجد إفراط ولا غلو في الاسراف لو قُلت بإن اللغة العربية، لغة القرشيين، مُعجزة .

وللحديث بقية ... 


                                                  
                                                    انتهت كتابة المقالة
                                             الأثنين 14 ديسمبر 2015 م
                                                    مكتب المنزلِ






الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

موت " سقراط "








صورة مُستفهمة:

أولاً : لنستهل الحديث عن الصورة .. فهذه لوحة للفنان جاك لو ديفيد .. وهي بعنوان " موت سقراط " .. ولكن للصورة حكاية .. واستشكال عظيم .. واستفهام جليل ..!

فلقد أٌلقي القبض علي سقراط .. لأنه كان يُحط من قدر الآلهة القديمة والتي كان يدين بها مُعظم الأثنيين  في المحاضرات التي كان يُليقها حول تلاميذه النبلاء وكما البعض يعلم _ وليعلم الكل _ أنه كان من بينهم أفلاطون .. الذي أخذه عن سقراط فنفع به نفع وتلاميذ ونقله لأرسطو الذي هو الآخر كان له دور كبير وإسهامات عُظمي في الفلسفة .. بجانب أنه كان المُعلم الأول للاسكندر الأكبر..
وتمت محاكمة سقراط .. بالرغم من أنه استبسل في الدفاع عن ذاته في صلادة رأي .. وقوة حُجة ودليل قوي .. فهو فيلسوف يبني أحاديثه علي المنطق والاستدلال القويم ..
وتقرر أحد أمرين وكانا أمامه إما أن يختار بين النفي أو الموت بالسم .. فاختار الثاني لأن في النفس دليل علي أنه يتراجع عن آراه المنشورة بين تلاميذه وأنه يتخاذل عن منطقه وما ينشره في الأوساط .. بل أنه سيفسد حين يخرج من مكانه وسيحتاج إلي سنوات ليقرع الباقيين بحُججه ..
 فاختار الموت بالسم .. علي الرغم من أن بعض الأصدقاء عنده كان في مقدرتهم رشوة حُجاب السجن .. ولكنه رفض رفضًا قاطعًا لأنه في كذا تراجع ..

وأختار الموت بالسم .. وكما تُطلعنا اللوحة عليه وهو يتجرع السم .. وجواره تلميذه أفلاطون .. وعند السُلم تظهر زوجته التي كانت تكيل له المكاييل في حياته .. حيث عرفت أثناء السفر الوئيد في كتاب " أفتح قلبك " للأستاذ عبد الوهاب مطاوع .. أن سقراط كان يعمل بالنقاشة .. ولكن له مريدين بعدد حب الرمال .. ومعروف أن زوجته كانت تقف له بالمرصاد وتصب علي رأسه جام الغضب ..

وربما إشارة سقراط بإصبع يده إلي السماء في اللوحة .. في استدلال علي أنه لا يزال عند آراه ومعتقداته لم ينفك عنها .. وأن حرية الرأي والدفاع والاستبسال من أجلها له ثمن أيّ ثمن .. مهما عظم شأنه وتباينت فداحته ..

ومن الأساس ..
ما قيمة الفرد إن لم يكُ مُتمتعًا بحرية الرأي .. وإبداء الفكرة دون الخوف من بطش أو جور وظلم ؟

بل إن غلوت وقلت ما قيمة الفرد إنّ لم يك له رأي وكان إمعه .؟

أو قل ما قيمة الفرد إن لم يصنع العلامة الفارقة .. ويُعمر الأرض .. ويبذر البذور ليخرجَ بالثِمار ؟


|||||||||||||||||||||||||
ولقد أردت أذيع هذا حتي لا يضيع مني في فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي ... ,والمقالة القادمة بإذن المولي في الغد بعنوان " عنها _ الجزء الأول " ..
مع كُل التحية ..

 

الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

وله بهجة



             مقال لا يرتدي سَّرَاوِيلُ :                   

                                       
له بهجةُ

علي المصطبةِ الحجريةِ التي ترتفعُ نصف متر علي الأقلِ عن الأرض .. مُتناثر عليها الغبارُ والأتربة بكثافةِ، وربما أثر قدم كانت مملوءة بالوحل ترتع في بحبوبة هنا وهنالك.
 وذاك كُله طبيعي؛ بسبب مُلازمة هذي المصطبة للطريقِ السريع الذي تمرق من عنده السيارات بإختلاف أشكالها وتباين أحجامها في جنون وسُكر.
 أجلس مع الأتراب ... زجاجات المياة الغازية بين أيدينا مُترنحة في غنج كأنها كئوس الخمر ... ربما نطعم معها ببعض ما يُتبلغ فيخفف " الدغدغة "  في الغازية والتجشأ المرابط لها وخاصة إذا كان الافطار دسمًا.. ولمّا كان اليوم هو الجمعة، فعادة تمر جنازة لأحدهم أو إحداهن فتتمتم الشفاة بالشهادة .. وتدعو السميع العليم بالرحمة والمغفرة لنا وله .

ولنحن أبناء الأقاليم والمدن الدخيلة شأن في ذلك لهو عظيم مشوب بالجلال مُحاط بالهيبة، فالجِنازة لابد أن يتقدم الجمع فيها سيارة عليها بوق ضخم
( ميكروفون ) يذيعُ آيات الذكر الحكيم، من ورائه بضع أُناس في سكون ودعة، الألسن تختلج بين الشفاة ... الرءوس مُنكسة للأسفل إحتراماً ومهابة لجلال الموقف ... سيارة الاسعاف القديمة ذات اللون الأبيض التي تحمل المُتوفي، وأحيانًا تُصرف السيارة صرفًا، ويُستعاض عنها بخشبة متينة عريضة  _ غالباً ذات لون أخضر يانع ولم أصل إلي الآن إلي سبب لذلك _ ،  تُحمل علي الأكتاف ... يُغطي المتوفي بأغطية كثيفة... يتصبب العرق ممن يحملها، ثم بقية الجمع الغفير الخارج تواً من الصلاة؛ منهم قد سار معرفة للميت وأهله حبًا له وطمعًا في مؤازرتهم .. البعض الآخر لو لم يسمع كلام الخطيب في كون أن من يصلِ ويسير خلف جِنازة فأجره عظيم، وله مغفرة فلن ولم يفعل ذلك ..  وهنالك طائفة ساروا مع من ساروا ليس إلا أن بيته في نفس الطريق التي تسير فيه الجِنازة.

بعد الطريق الذي أغلبه وعر.. تدخلُ إلي الجبانة ( المدافن )، بعد قراءة الفاتحة ، كإستئذان للدخول مذ الصغر تعلمته ولم أحِد عنه ..  ولا أعرف هل هو حقيقة أو من الموروث ؟.
 تجد بعض المُتشحات بالسواد يولون وجوههن مُحمرة كأنه قطعة من الجم، الدموع تنهمر من مآقهن كغثاء السيل ...  يوضع المُكرم في المثوي الأخير الضيق الذي فيه فصل عن اللهو واللعب إلي حياة أخري أشبه بالفانتازيا التي تُصور .. يخرج بعض من أهله ليتلقوا العزاء من المشيعيين .. يصبرونهم علي ما ابُتليوا به من ألم وفقدان للعزيز وقبض للروح .. يتزامن ذلك مع وقفة أحدهم عالياً وهو يعظ ويدعي للمُتوفي .

مع مرور الجنازة يومها أمامنا، تذكرت اليوم الذي ذهبت فيه إلي جِنازة في المدينة المركزية الكبري، بعد أن دخلنا في بهائها، وأضوائها التي تُبهر.. ظللنا طِيلة ساعتين نسير ولا نعرف لنا أي وجهة، تخطينا العمائر كلها، ضربنا بالمساكن عرض الحائط .. تركنا المحال وراء ظهورنا.. لا يلوحُ لنا في الأفقِ سوي صحراء جرداء يتناثر علي الطريق السيارات كالجراد المُنتشر.. هذه الفيفاء عن اليمين وعن الشمال قرين .. بعد جهَد ولأي، بعد أن كادت السيارة التي نقطن داخلها ستلفظنا من طول المكوث ولم تهدأ أو تأخذ فترة راحة، وأخيرًا وضحت الرؤية، وانجلي المستور، ووصلنا .

مستحيل أن تري أحد وراء المُتوفي قد مشي، الأقارب وكنت واحدًا منهم جاءوا كُلاً في سيارته، لا نساء تقريباً إلا القليل، النذر اليسير الذي يُعد علي أصابع اليد الواحدة، لا وعظ وخطبة  البعض من الواقفين قد يصل إلي الأغلبية العظمي يُمسك بمنديلِه لا ليمسح الدموع المترقرقة بل العرق الذي يُلجم الفرد إلجاماً _ اللهم إلاً قليلاً_.

لذا فهذا الذي يقبض الأرواح التي تسع في سلام ووداعة بين الأجناب، هذا الذي لابد منه ولا مفر، الحقيقة المؤلمة في الحياة، السالب إلي أن يُسلب ..  الموت.. هنا في الأقاليم التي يسخرون من بعض أهلها ، ويستهزءون من آخرين ، له بهجة.

الموت بكل هذه الأحداث في المدن له روح، يشعر بها من لاحظ وفكر، ويأتنس بها من عاصر وتأمل، بهجة لو علمها أصحاب المدن الكبري حقاً ، فربما نُحسد عليها، رغم كونها بغيضة أشد ما يكون للبغض من معني .



                  تمت الأثنين 9 /3 /2015