الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

عنْها [ الجزء الأول ]

مقال يرتدي سروال :

                                   عنْها [ الجزء الأول ].


وآه منها. وآه مما فُعِلَ بي . وما جَرتُه علي الأوصالِ فجعلَتها مُنفكة .الفرائص أصبحت مُبعثرةَ. هدت الأركانَ، زلزلت الكيانَ، جمحت بالخيالِ في فضاءات لم يبلتيها من ذي قبلِ .عقدَت العقدَ لكي لا أري دونها، وكُلما وقفت بحِذائها وجدتُها مُتزينة، في أثوابِ باهرةِ، مُبهجةِ؛ كأنّها الوروردُ حين تصحو من سُباتها في الربيع . فالضياء لم أجدْ له نظيرَ،ولن أعثرَ عن غيره بديل، فهو نوع من العسرِ أو إن شئت قُلت ضرب من الاستحالةِ .

تنهيدة...

والاعتقاد الجازم أنّ أول ما سعي وئيدًا - كخُطوات النمل النشط في جمعه لمؤنة قارس الشتاء - إلي تلافيفِ عقلك حين قرأت العنوانَ، ونظرت داخل أحشاءه، وأمعنت النظر في زُخرف القول عند مُستهلِ المقالةِ، لهو أمر واحد هو أنني سأسهب في الحديث عن الحبِ وفضائله علي الفتي وروحه، ومناقبه علي نفس الفتاة ورهافة حِسها، وذاك نبع من الفضول المُتجلي في لمعان عينيك المُتحفزتين المبهورتين، أو ربما سأسرف في الحديثِ عن الجمالِ .
 بل ربما يكونُ الشكُ قد ألقى بك في غياهبِ الظنِ إلقاء، وزعمَت بأنني سألق علي المسامع وأطرب العين بالحديثِ عن الحبيبةِ التي أهواها عُذريًا، ومُيتم بها بغرامِ أفلاطونيّ خجول؛ هذه التي استوطنت جوانح القلب، فطارَ لها اللبُ، ورقصت لها وترقصُ الروح لمجردِ الرؤية في الخيالِ أو المُشاهدةِ في الواقعِ الملموسِ؛ هيباتيا بالطبع .

وإنْ أردت تحدثت. فذاك الكلام سيطربك وستنالني بالغمزِ واللمزِ ما شئت ووسع إناء الفكاهةِ والتندر داخلك، ولكن لأترك هذا في موضعِ غير الذي نحن بإزائه.
فالمقام اليوم عن حبيبة روحية، شعورية، أحببتها حُبًا جارفًا بعد أن كُنت من أشد الكارهين لها، كأنّ المثل الشعبي الدارج:
ما محبة إلا بعد عداوة، ساطعُ، طافي علي سطح بحيرة الفكر لديّ . فالمُقت الشديد الآثم صار غرامًا عرمرمًا، ولم يحدث هذا إلا بالتوغلِ داخل الأحضان وسبر الأغوار .

- كفي ...

سمعتها بصوتك الذي أحسست فيه شئ من الضيق والضجر مع لمحة حانية من الرقة ترفقًا بي وهكذا ظننت -.
و سأستجيب سريعًا لطلبك وأخرج من الظنِ التكلفَ وتوهم المُصانعة؛ فالحبيبة هي اللغة العربية، الخلابة، الفاتنة، الجذابة، المعشوقة، اللغة التي شأنها عظيم ومكانتها جلية وسأُبين ذلك .
اللغة التي قال شاعر النيل، حافظ إبراهيم، علي لسانها - وللحسرة الكُل يتندر بالبيتِ رغم كونه عال القدر والشأن - :
أنا البحرُ في أحشاءه الدُر كامن ****** فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي ؟

اللغة التي كانت عميد الأدب العربي، د/ طه حسين، في ماضي الأيام يطل بصوت عذب كشدو الكروان في الراديو عبر الأثير ويقولُ :
لُغتنا العربية يُسر لا عسر
والمعلم وقائد الفكر صادق كُل الصدق .

مذ عهد غابر وزمن بائد كُنت من أشد النافرين من اللغة العربية وآدابها، حانق علي طرقِ التدريس المُصابة بالعقمِ وبسبب ذاك أُصيبت اللغة بهذا الداء العفن، فضنّت علي أن تُخرج من نوابغ الفِكر، بل وصار الاقتراب منها أمر عسر كُل العسر .

واللغة هي لساننا، فروعها مُتشعبة لا حصرلها؛ من بلاغةِ واستحسان للفظة، أو السجع والجناس الذي تحسبه أنه قرع طبول في معركة حامية الوطيس، أو أبيات الحماسة المؤججة للمكنون والمُحركة للمكتوم . أو أخبار السلف، ومعرفة الأمزجة التي كانوا عليها، والعلم الذي أُهْتُدوا إليه بل وأُخِذ عنّا حتي جابَ البلاد البلقعا .
 ولكن كُل هذا وأكثر منه لم يُوضح لنا وقت أنّ كُنا طلاب، فالأمر أختُزِل في لفظة واحدة، والحق كُل الحق أن اللفظة لم تتوقف عند العربية وحدها بل تعدت كُل العلوم، وهو الحفظ الأجوف الأصم الممتزج بنا إمتزاج الزبد بماء البحر .

والحفظ هذا لن يخرج جيل يُفكر، أو حتي مُدرك لأمر التخلف والتأخير الذي نعيش فيه وفداحته، فعلو شأن الوطن ورفعته تبدأ بالتعليم الذي هو أصل الأصول، وجذر الجدوز، وما دام الجذر عفن  لا ثابت في جوف الأرض، فحتمًا لن يستطيع أن يُنبت لنا من الثمار اليانعة، وحتي إن أثمر وأينع، فستكون ثِمار مُشوهة عطنة، روتينة كأنها الماكينة .. اللهم إن سبق السيف العذل وأستطاع البعض - وأعرفهم- أن يفلت من براثن ثور التعليم المُتخلف .

ما هذا العبث ؟
ما هذا الضلال الذي أمضي في رحابه وئيدًا ؟
فالحديث عن اللغة المعشوقة التي شهرت لها القلم من مغمده البلاستيكي للذود عنها، ناصرًا لها، مُتحيذًا إليها، لم آت للحديث عن اللهو والمجون في التعليم من أصله لفرعه بل من فرعه لأصله .. بل أصبح من العسير التحقيق كأنّه يُطبق قول أبو العلاء المعري حين قال :
وإذا كان غني زيد يكون لفقرِ عمرو .

وللحق والحقيقة إنّ اللغة في حد ذاتها تأني في الاحتياج إلي أي أحد مهما عظم شأنه وعلي قدره في الدافع عنها وإنصافها وتدعيم صفها، فهي مصونة، أليس الملك القدوس يقول في ذِكره الحكيم :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون "
والذكر هو القرآن الكريم بما أشتمل عليه من آيات عطره، وقصص نضرة. والقرآن نُزِلَ وكُتب وسُمِع ونُطق بلغة أهل الجزيرة العربية ونجد وقتها وكانت لٌغة قريش ، وعلي إثر هذا فاللغة مُصانة ومحفوظة من الله نفسه جل في عُلاه .

ولو اتبعت نفس المنطق . لوجدت أن القرآن هو معجزة الله الباقية في الأرض إلي اليوم الذي تذهل فيه كُل مُرضعة عمّا أرضعت ..وكُل من حملت حملاً تنوء به قد وضعته . لذا فالقرآن من الأصل باق إلي يوم الواقعة، إذا فالنتيجة النهائية والحتمية أن اللغة العربية هي الأخري باقية، لذا فلا يوجد إفراط ولا غلو في الاسراف لو قُلت بإن اللغة العربية، لغة القرشيين، مُعجزة .

وللحديث بقية ... 


                                                  
                                                    انتهت كتابة المقالة
                                             الأثنين 14 ديسمبر 2015 م
                                                    مكتب المنزلِ






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق