السبت، 21 مايو 2016

غدر الصحاب


هما اللي قالوا لي أقول :                                        

                                          غدر الصحاب

وهذا باب لتوضيح كُل قولِ قد جرت عليه العادة ذات الرائحة العفنة، وأصبح يُطلق عليه_ ظلمًا_ قول مأثور، أو حكمة قد ألقاها القُدماء، ربما، الحكماء، صعب جدًا، العُقلاء، مُستحيل، بين أيدينا لنتعلم منها .

ومن هذا الكلام المأثور المهطول_ أغلب الظن_ الذي أخذناه بما فيه وما عليه، لم نفكر داخل أعماقه، لم نمرره علي المصفاة فنعرف صحته من ضرره، لم نُعمل العقل الفردي لعلنا نهتدي، وهلم جرا من " لم " الغير مُستعملة كثيرًا أم قليلاً !
وهذا القول الذي تسمعه، تقرأه، آلاف المرات هو :

                 " احذر عدوك مرة، واحذر صديقك ألف مرة "
وقفة.

قل لي يا صاحب ومُبتدع هذه المقولة الجُهنمية، كيف أحذر صديقي ألف مرة؟
ما هي الأوجه التي لابد أن أخذ الاحتياطات تجاهها؟
ولم _ أصلاً_ أحذره؟.
قُل لي هل تعرف ما معني الصديق؟
 هل تعلم ماذا يعني لك الصاحب في الحياة؟

الصديق هو مرآة لي، قد أنتقيته وأصتفيتُه من كل البشر من حولي بُناء علي أنّه المُكمل لي، له نفس ميولي، له نفس أهوائي وهوايتي، دماغي و دماغه واحد، لا ضرر من بعض الفروق الفردية، ولكن إذا فتشت ورائنا ستجد أنني وهو مٌتشابهان في كثير من الجوانب.

ومعني قولك هذا أنني يجب أن أخاف منه، أرتعب من مُجرد رؤيته، لا أفضي إليه_ مثلاً_ بأية أسرار حتي لا يلعب الزمن مَعنا، فينقلب عليّ، ويتكلم ويُفشي الأسرار.
يا لا نظرية المؤامرة المُتلاعبة داخل تلافيف مخك !.
أتعرف أن معني قولك أنّه من المُفضل ألا أتحدث إليه كثيرًا ولا قليلا؟، لا أخرج معه إلا بين الحين والحين، فكيف أفعل هذا كُله، ونحن امتدادان لبعضنا البعض، وأصلاً كيف وقتها أستطيع أن أطلق عليه لفظة " صديق " ؟

والعدو، الذي يتربص بي، يكرهني، يتمني لي السوء وكيد العوادي والعزاب، ملأ صدره بالحقد والغل، لا يُحبني، يٌنافقني، لا يتصور أن الأرض قد تجمعني أنا وهو_ بحسب قولك_ لا أخاف منه سوء مرة واحدة، أهابه بمقدار خطوة.

فأي عقل هذا !، وأي منطق قد تحدثت به يا صاحب المقولة الخُرافية !
والذي أظن أن الدُنيا قد جاءت _ جدًا_ بظهرها عليك، حطّت عليك، وقد ذوقت منها غدر الصحاب، وتهميش الأحباب.

ولابد وحتمًا وأكيدًا وقطعًا قطعًا قطعًا، أنّك قد سمعت أغنية الطرب العظيمة
" مفيش صاحب يتصاحب "، فقولت هذه الترهات التي لا أصل لها ولا عقل بها؛ هذه المهاترات التي لا حتي فلسفة بائسة من ورائها !

أتركنا وأذهب لحالك، لتُكمل أغنية أولاد سليم اللبانيين بعيدًا عنّا .


** فضلاً وإختيارًا، لا إجبارًا : حاول أن تعمدَ إلي تحويل طاقة الوضع في أصبعك إلي طاقة حركة بعملِ " مُشاركة"، " شِير" للتدوينة لو كانت حلوة ! .

الجمعة، 13 مايو 2016

الوليمة المُتنقلة

في أحضان الكٌتب :

                                     الوليمة المُتنقلة


" إذا واتاك الحظ بما فيه الكفاية لتعيشَ في باريس، وأنت شابُ، فإن ذِكراها سيبقي معك أينما ذهبت طول حياتك؛ لأنّ باريس وليمة مُتنقلة "
هذا وصف إرنست هيمنجواي، في موجزِ العبارةِ عن رحلِته التي قام بها إلي باريس وما جاورها من مُدن وبلاد في الفترة ما بين 1921 م إلي 1926 م؛ أي وهو في أوائل ثلاثينياته .

ولابد أن تقنعَ نفسك قبل أن تبدأ في الكِتاب، أنك إزاء وجبة دسمة مُتنوعة بها كُل ما تحتاجه من عناصر غذائية ستبني جسدك، وخلايا عقلك.
 فأنت ستكون علي موعد مع القصة وتكثيفها المشهود له، تكون أمام أدب رحلات ممتع، ثري، وهذا يُعتبر العمود الفقري للكِتاب كله، وسيتجلي حينما يُحدثك عن باريس وشوارعها، والمقاهي التي كان يجلس عليها كُل صباح ليكتب، أنواع الأطمعة والمشروبات التي كان يملأ بها جوفه، الأصدقاء الروائيين والشعراء الذين جلس إليهم وقابلهم أو شاهدهم من أمثلة: إليوت، إزرا باوند، جيمس جويس.

 فهيمنجواي قد جعل من باريس لوحة كبيرة، في كُل لحظة يضع داخلها خط، ثم يُفسر لك الخط هذا، ولم وضعه هنا؟.، وما هي الجماليات النابعة من وراءه.
وفجأة ستشعر أنك أمام فصل مُجتزأ من رواية حينما أخذ يصف الرحلة التي قام بها مع الروائي سكوت فتزجيرالد، وهو يتنقل معه في خفة كبهلوان السيرك فيصف لك الفنادق التي نزل بها معه، الطرق التي ساروا فيها، ويوضح لك الأمثولة للروائي سكوت الساذج !

وحفز نفسك، فأنت ستكون علي موعد آخر مع طريقة جديدة في الكِتابة أخبرنا عنها المُترجم
 د/ علي القاسمي في المقدمة وهي طريقة " جبل الجليد "، والتي يريد فيها الكاتب أن يُخبر القارئ بأمر ما، وصف لمكنون شخصية مثلاً، فلا يخبرك بطريقة فجة، وإنّما يصيغها غالبًا في هيئة حوار بسيط بعيد عن المباشرة، ومنها يستنبط القارئ الحقيقة الكاملة، وأظن أن هيمنجواي قد عرّف هذه الطريقة حينما قال :
" ومنذ أن أخذت بتفتيت كُل كتاباتي، والتخلص من كُل سهولة، وبمحاولة الإنشاء بدلاً من الوصف، أصبحت ممارسة الكِتابة ممتعة ورائعة "

وهيمنجواي صاحب نوبل، كاتب، ولا يترك الكُتاب هكذا وينفض يده منهم، وإنما يأخذ بأيديهم، وينصحهم في رفق، فهو يقول والكلام كان من ناقده الداخلي إلي نفسه :
" لا تقلق، لقد كُنت تكتبُ دومًا من قبل وستكتب الآن، كُل ما عليك أن تفعله أن تكتبَ جملة واحدة، أكتب أصدق جُملة تعرفها "

وأنوه علي مدي براعة الترجمة التي لم تُفقد النص حرارته، وكذا ظلت مُحافظة علي السخرية اللاذعة التي أرداها هيمنجواي أن تشيع بين الحين والآخر.
هذه الوليمة ستجعلك تسكن باريس، تشتم روائح العطور، تري اللوحات البديعة وأنت جالس مكانك تقرأ .

يختم تاتي _ كما كانت زوجته هادلي تقول له _ الكِتاب، اللوحة الطويلة، الذكريات، القطعة السردية المُدهشة، الوليمة المُتنقلة بـ:

" ... ولكن هكذا كانت باريس في الأيام الأولي عندما كُنا فقراء جدًا، وسعداء جدًا " 

                                                                  الأثنين 2 / 5/ 2016  م


** فضلاً وإختيارًا، لو راق لك المقالة، أو الخاطرة، أو أيا كان مُسماها، فلا تبخل علي بالمُشاركة" الشير" حتي يتسني للآخرين القراءة، وكذا ربما يتسمع أي موقع اسمي فأنشر من خلال نافذته .
وشكرًا