السبت، 17 أكتوبر 2015

ف وليدُ .... و وليدُ





مقال لا يرتدي سَّرَاوِيلُ : 

                                     ف وليدُ .... و وليدُ 

وما الدُنيا سوي مواقف يتعثّرُ فيها الفردُ أثناء عدوه داخلها، تلك الحياة الدوراة في سُرعةِ عجائبيةِ لا سبيل إلي إدراكِها وملاحقتها مهما بذلَت من جُهدِ مُدخرِ .
عِبر تراها العينُ، أو تتماهي إلي الأذنِ، فينفعلُ لها الوجدانُ ويتفاعلُ معها، وإنّ كُنت صاحبًا لقلبِ رحبِ واسعِ، ويدك مُتقلدة لمقاليد الحُكم، فستنقلبُ مشاعرك  الجامدة داخل الجسد إلي فعلِ تؤديه بدلاً من كُذاب الوعد، أو آخرين أقصي ما يفعلونه هم مصمصة للشفاة يتبعها قول " والله حرام ".

والحياة هي مسرحُ كبيرُ لا تستطع العينُ أن تبتلي نهايته، لأن الكراسي في تزايدِ مُطردِ اليوم تلو اليوم، بل اللحظة تلو أُختها، والجميع حتمًا عليه وواجبًا إعتلاء هذا المسرح والقيام بدوره.
 الحُكام بعض من الممثلين الآخرين الذين ينتظرون الاذن بالاعتلاء أم الواقفين حتي جوارك علي الخشبة، وأوقاتاً يُتركُ الأمر لخالق المسرح من العدمِ، واجِدَه من الفناء، الرب المُتعالي، الجالس في هِيبة علي عرشه في الملكوت .

وليس هُنالك فرصة أخري لتخرجَ إلي الكواليس مثلاً لتبديلِ الثياب، وتُهندم النفس، أو تضع أصباغ لا طائل منها ولا هدف لها سوي التلوين _ أو التلون كالحرباء_، فالفرصة واحدة لم ولن تتأتي مرة أخري مهما فعلت، ولتحذر حذرًا أن يُسدل عليك الستار دون إتمام الدور علي الوجهِ الخلاق الذي يرضيك أنت وحدك ويشفي غليلك دون تدخل من قِبل الآخرين، فهو مسرحك .

أما ما حز في النفس ومن أجلها اكتئبت، هؤلاء المُطلق عليهم من قِبل بعض من المُذلين من البشرِ المُدعين علي أنفسهم أنهم أسياد للمجتمعِ والمسيطرين عليه، المُتحكمين في كُل ذرة تجري فيه، معشر " الأنفار والعتالين ".

فصباحاً مساء، ألقاهم علي حيد الطريق جالسين القرفصاء جوار بعضهم البعض كأنهم أحجار الشطرنج مُنتظرة وقت التحريك الذي قد يطول طِيلة خروج الفسيلة من البذرةِ المدكوكةِ في رحمِ الأرضِ .

أنظر مثلاً لأي واحد منهم تجده بائسًا في رضا، فالتجاعيد قد ملئت الجسد كُله قبل الأوان، والهم مركوب طِيلة الوقت.
 فهو يخرج في الباكورة ربما خالِ البطن، فارغه، فكِسرة الخبز يقنع بها بعد أن يتلاعب بها الرضاب داخل الفم، مرتدي الجلباب الكالح الذي لا يقيه صبارة البرد فترتعد فرائص صدره وعظامه النخرة، علي عاتق كتفه ألق أدوات الدق والحفر، ومن الممكن أن يظل طِيلة اليوم والشمس لافحه والعرق يُلجم، أو المطر منهمر والبرد يقرص.
 وفي النهاية يعود البيت خال الوفاض ... خاو الجيب، لا عليه سوي شبح إبتسامة حتي لا يتركُ الهمَ يتسربُ إلي أهله، واختلاج للسان وتمتمته بالدعاء إلي الباري لانتشالِه من الغرقِ في غياهبِ الضنكِ .

ويالا المأساة ... ويا لا المذلة الكبري ...  ويا العبرات المُختنقة داخل العين عندما أري مثلاً أحدهم قد وقف وسط هؤلاء القوم ويريدُ واحدًا منهم لشأنِ من شئونه حيث تكسير للحائطِ أو هدم لجزء من البيت أو إزالة بلاط أو غيره من أمورهم المُتعارف عليها.
 فتجدهم قد تكالبوا علي الرجل، تحلقوا حوله، كأنهم وجدوا كنزًا بعد إعياء _ وحقًا هو كذلك_، يتزاجمون، ويمتد الأمر أحيانًا إلي استخدام الفورة الجسدية والقوة للظفر في النهاية .

ينطبق عليهم المثل الذي يقول " يعيشون علي كف عفريت "، فمن الممكن اليوم لُقيمة، وأيام مديدة عديدة لا حتي الفتات الذي يحصل عليه العصفور .

وصدق  أحمد شوقي أمير الشعراء حين قال :
فلأمر ما وسر غامض ....... تسعدُ النطفة أو يشقي الجنين .
فوليد تسجد الدُنيا له   .........  ووليد في زوايا المهملين .


تمت
الأثنين 21/ 9 / 2015 م


هناك تعليق واحد:

  1. في بداية الامر لم افهم معنى الانفار العتالين لكن رائع ان تسلط الضوء على فئة من الفئات المفعمة بالياس والفقر في هذا البلد الذي يفهم حقوقك الواجبة على انها محض اكرام منهم و اعتقد ان من الواجب علينا ان نخجل من امانينا الفارهة بالنسبة لهؤلاء ،
    دمت بخير

    ردحذف