الجمعة، 28 أكتوبر 2016

إحياء ذكرى طه حسين ( 2 - 2 )



ثالثُا الحوار :



إنّ لعميد الأدب العربي، حوارات عديدة، في جرائد ومجلات لا حصر لها.
 ولكون هذا الحوار- تحديدًا - مع الأستاذ فؤاد دوارة ليس من المشهورين، المُسلط عليهم الأضواء الباهرة بشكل كبيرِ، فرأيت أن الفرصة سانحة لأنّ يُنشر بين أيديكم، لتتعرفوا عن مِزاج من أمزجة هذا الرجل في فترة من الفترات وها كم الحوار ومادته :





* ماذا أفدت من الدراسة في الأزهر ؟

- أفدت من الدراسة في الأزهر شيئًا كثيرًا جدًا، وهو الحرص الشديد علي التعمق في فهم النصوص وتجنب السطحية والعلم المحفوظ. ودراسة الأزهر في تلك الأيام كانت تمتاز بتنشئة الملكات التي تتيح الفهم والتعمق والصبر علي البحث.
وليس هذا بالشئ القليل.

* من أهم أساتذتك الذين لهم فضل كبير في توجيهك وتكوين ثقافتك ؟
- أولهم الشيخ سيد علي المرصفي الذي وجهني إلي الدراسة الأدبية. ثم اثنان من بعده من المستشرقين الإيطاليين انتفعت بدروسها في الجامعة إلي أبعد حد.
أحدهما الأستاذ "نيلو" الذي كان يدرس لنا تاريخ الأدب العربي في العصر الأموي خاصة، والثاني الأستاذ " سانتيلانا" الذي كان يُدرس لنا تاريخ الفلسفة الإسلامية وترجمة الثقافة اليونانية إلي العربية بنوع خاص. أما الأساتذة الأوربيون الذين تأثرت بهم حين اختلفت إلي دروسهم في " السوربون" فكثيرون أهمهم أربعة : " دوركايم" أستاذ علم الإجتماع، و " بلوك" أستاذ التاريخ الروماني، و " جلاتس" أستاذ التاريخ اليوناني، و " ليفي بريل " أستاذ الفلسفة .

* أنت ناقد ودارس أدب وأستاذ جامعي، وأديب منشىء، ومترجم، ومؤرخ، ومفكر اجتماعي وتربوي، ولك في كل الميادين نشاط ملحفوظ. ما الجهد الذي تعتز به بصفة خاصة؟ وأي الميادين أقرب إلي نفسك؟
- دراسة الأدب العربي القديم.

* كنت أتمني لو استعرضنا جهودك في كل ميدان من هذه الميادين لنقف عند أهم ما حققته فيه.
- إذا كُنت تريد الحق فهو ما قلته لك.

* إذن كيف تفسر هذا التشعب؟
- لقد حرصت علي أن أتثقف ما وجدت إلي ذلك سبيلاً، وعلي ألا تكون ثقافتي أدبية خالصة، فعنيت بالفلسفة والإجتماع والتاريخ اليوناني والروماني ثم بالأدب اليوناني خاصة.

* ما خصائص الثورة التي أحدثتها في منهج الدراسة الأدبية؟
- أهم ما تمتاز به دراسي للأدب هو حرصي علي ألا أكون عبدًا للتقاليد وللأشياء المقررة، وأن أُعمل عقلي في كُل ما أدرس، وأن أتجه بدراستي للأدب العربى القديم نفس الاتجاه الذي يصطنعه العلماء الأوربيون في دراسة الآداب القديمة اليونانية واللاتينية.

* ما مقدار تأثرك بالستشرقين؟
- تأثري بالمستشرقين شديد جدًا ولكن لا بآرائهم بل بمناهجهم في البحث وهذا يوصلني أحيانًا إلي أن أستكشف كثيرًا من الخطأ في آرائهم، لأن علمهم بالعربية وأسرارها ودقائقها أقل من علم المُتخصصين العرب.
* هل تحدد  أسماء كُتب بعينها تنصح الأدباء الشبان غير المتخصصين في الأدب العربي بقرائتها إلي جانب ما يقرأون من كتابات المحدثين وأدباء الغرب؟
- هناك كتب كثيرة جداً، كالكامل للمبرد، وكُتب الجاحظ كُلها، وليس كتاب "البيان والتبين" وحده كما ينصح البعض، وكتب النقد عند القدماء مثل "الصناعتين" لأبي هلال العسكري، وكتاب قدامة بن جعفر في الشعر، والكتاب المنسوب إليه في النثر .


* هل تذكر متي أطلق عليك لقب عميد الأدب العربي؟ وفي أي مناسبة؟

- أطلق علي هذا اللقب شعبيًا عندما أبعدني صدقي باشا عن الجامعة سنة 1932، وكنت عميدًا لكيلة الآداب، فلقبتني صحف المعارضة بعميد الأدب العربي وليس عميد كلية الآداب وحدها.

* يري بعض المراقبين أن أدباءنا لم يضيفوا إلي اليوم جديدًا إلي الفكر العالمي رغم نهضتنا الثقافية الملموسة، وأن كُل غنتاجنا ليس إلا من قببيل الدراسة لإنتاج الآخرين والاختلاف حول تفسيره. هل تري هذا الرأي؟ وإذا كُنت تراه فما تعليلك له ؟
- لا أري هذا الرأي، وإنما أري أننا علي الأقل قد استطعنا أن نقرأ الآداب الأوربية، ونحاول تقليدها، ثم لم نلبث أن تجاوزنا التقليد إلي الابتكار، بأن طعمنا الأدب العربي بالقصص، والأدب المسرحي، والنقد.
وليس معني هذا أننا نستطيع أن نستغني عن الآداب الأجنبية علي اختلاف لغاتها. فنحن نريد لأدبنا العربي أن يكون حيا، والأدب الحي بالمعني الدقيق لهذه الكلمة هو الأدب الذي يأخذ ويعطي. وقد بدأنا الأخذ. ثم جعلنا الآن نعطي، و جعلت كتبنا تترجم إلي اللغات المختلفة، وليس هذا بالقليل.

                                                                              مارس 1963 م

*************


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق