الأربعاء، 17 أغسطس 2016

الأمورُ الهلاسة في شَرحِ الأحوالِ المِحتَاسة



الجامعة المِزاجية :

                                 
                       الأمورُ الهلاسة في شَرحِ الأحوالِ المِحتَاسة


تأكد أن الجامعةَ ما هي إلا نموذجُ مُصغر للدولةِ الكبيرةِ التي تسير في شوارعِها الرحَبة؛ ففيها السُلطةُ الحاكمةُ الآمرةُ، المرافقُ، بعض الرجعية، والكثير من التخلفية، وكُل البيروقراطية المشهود لها من جميع أبنائها، و طبعًا وبدون شك الواسطة التي أبسط ظهور وتجلي لها وقت أداء الإمتحانات الشفوي عِند البعض _ كما حُكِي لي _ .

- أصل أبوك أستاذي و أفضاله عليّا .

- إزيك يا حلوة، عاملة إيه ؟
- الحمد لله.
- دائمًا يارب، كفاية، يلا الدرجة الكاملة، سلمي لي علي بابا كتير، يا ما عَمل معانا الواجب .

وغيره الكثير، ولكن يكف هذا حتي لا تُقرص أذني الكبيرة هذه، وأدخل في دوامةِ من الأسئلة، و س ، و ع ، وغيرها من الأحرف، وأظلُ أتأرجحُ بين اليأسِ والبأسِ والنحنحةِ والتشفعِ والنفاقِ، وأنا في حِل عن كُل هذا.

وفي يوم، تحت شجرة فيكس عملاقة، استندت بالمؤخرة - بلاها المؤخرة ففيها خدش حياء! - استندت - و بس - علي سور حديدي، أشرب كوب شاي لا يبل الريق أبدًا، وأتفرج علي أبناء الجامعة المِزاجية وهم قادمون لشراء ما يطعمون ويشربون ويسمنون ويتخنون فيرجمون - والأخيرة منحوتة من الرجيم البائس لا الرجم -.
 وأنا علي هيئتي البائسة تلك أفكر وأعمل عقلي الفردي، فأفكر لأعرف كيف يمكن لقمة الوجود أن يتلاقي مع هاوية العدم؟ وما الفرق بين الوجود والكينونة؟ وغيرها من الأمور الوجودية التي هتكت عِرض عقلي وشذ لحاله، لعله في يوم يهتدي بالتأمل والعلم اللدني !

وفجأة، أتي شاب تبدو عليه أمارات الشهرة - بمعناها الفصيح " الفيمصة" بالمعني المُتداول - حيث شَعَر واقف علي حَاله، بِنطال خانق علي السِمّانة، و علي أشياء أخري - و هنا كلام كثير محذوف حتي لا أُخِدش الحياء المخدوش أصلاً - ، فوقف عن يميني وقد التف حوله ثلاث فتيات، جميلات، حسناوات، بديعات، هيفاوات، غَزالات، ملفوفات القوام، منحوتات التضاريس، فرميت أذني وسطهم، نتيجة لفضولي الأبدي، فأعرف أنّها السنة الأولي لهم في الجامعة، وأنهم قد أتوا ليأكلوا عِيش وملح، ويتصورا حتي يكون هذا اللقاء بداية الذكري، وتأجج للصداقة التي قامت فيم بينهم بين عَيشة وضُحاها.

ولأنّ عقلي حينها كان عجيبًا، غريبًا، أخذت أقارن فين بينه وبيني، أنا_ والعياذ بالمولي مِنها_ الذي أكل عليه الدهر وشرب ونام وإتسلطن وتجشأ و نام ، في الجامعة منذ خمس سنوات، أتنقل بين الأروقة الفسيحة، وتحت المظلات العتيدة، والمعارض والأحداث الإحتفالية، ولم أجلسْ إلي فتاة، أو أتحدث إلي أخري، أو أتطاول ويبلغ الهطل مِني مبلغه، فأقف أمام إحداهن وأقول لها : بأنِك حُلوة، كالقمر حين يتوسط ليل بهيم.
 كالنجمة المُتلألأ في ليل الدُجي، و أن هذا الفستان الذي ترتديه يجعلك مَلِكة مُتوجة علي عرش الحِسناوات، يا أيتها العصفورة التي تجوب الأرض بحثًا عن الجَمالِ؛ والذي أنتِ منبعه، ومنكِ مصدره.
 أو أقول لها حتي  أنها كفنجان قهوة أرتشفه بعدما تعاظم الصداع داخل تلافيف عقلي .

وأخذت ألين بالمقارنة إلي مُنحني آخر فلا تلين، لا تستجب إلا أن تضعني في تشبيه مع الدولة، فأنا مثل الدولة التي لديها من الحضارة والخبرات الماضية والتاريخ ما لديها، والذي يمكن الإتكاء عليه، والاستفادة منه في تقويم المعوج في الحاضر البائس للدخول علي مستقبل مُشرق، ولكن هذا في نظر هذه الدولة البائسة عبث في عبث، فتولي وجهها ناحية الصيت ولا الغني؛ حيث وعود كاذبة لا تصح، مشروعات لا يقبلها عقل ولا تدخل الدماغ، صِيت، صِيت.
طيب أين التعليم الذي به سيرتفع الشأن بدلاً من هذا الذي يُخرج بغبغاوات لا تعي ؟
يا راجل كَبر مُخك ، أين البحث العلمي والإهتمام بالثقافة؟ رد أنت عليه يا حسين، طيب المُستشفيات والمعاملة فيها، النوم علي الأرض، الزحام في الشوارع، السلاسل التي تُكبل بها أيدي الشباب الذي من المُفترض أن يكونَ هو الآن الذي يبني ويُنشأ ؟ ..
لا لا واضح يا سيد إنّك لا تخاف علي البلدِ ولا تري أي جديد ومفيد فيها، وفعلاً، لازم تُقرص أذنك !

وهذا الفتي عن يمني يُذكرني بالدول الناشئة من يومين، ولكنها في غمضة عين، أصبحت فوق، تتجه إليها الأنظار - أو أنظاري - للاقتداء بها، وأخذها الأمثولة والقدوة علي الرغم من أن ماضيها باهت، وكان لديها من الحروب والنزاعات، ولكن حكمة الزمن تقول أنظر للحاضر المُتمثل بين يديك لتلتمس القوة، والتقدم، والرقي .

وعلي هذا المِنوال، ظللت أقارن وأقارن، وأنظر للساعة، فإذ بي أتذكر أن لديّ مُحاضرة وفيها غِياب لعين، إن لم أُحضر فسأنفخ نفخًا لن أستطيع أن أٌفَسي من بعده.
فتركت الفتي مع الجميلات، وهم يتصورون، لأعود إلي أروقة كُلية الهندسة العظيمة، في قسم ميكانيكا باور المشهود له دومًا بأن آخر عهد لك بالفتيات الظريفات الجميلات في أول سنة والمسماة بالإعدادية، هذا إن كان نصيبك حلو وأمك قد دعت لك لا عليك !

                                                          الأحد 1 / 5 / 2016 م




** فضلاً وإختيارًا، لا إجبارًا : حاول أن تعمدَ إلي تحويل طاقة الوضع في أصبعك إلي طاقة حركة بعملِ " مُشاركة"، " شِير" للتدوينة لو كانت حلوة أصلاً ! .

هناك تعليق واحد: